رأي في الحدث

السيــد زهــره: رحلت أمريكا وبقي الإرهاب

هذا‭ ‬فصل‭ ‬من‭ ‬الفصول‭ ‬العجيبة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭.‬

منذ‭ ‬هجمات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬أعلنت‭ ‬أمريكا،‭ ‬ومعها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الحليفة‭ ‬والتابعة،‭ ‬حربا‭ ‬عالمية‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭. ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬شنتها‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭.‬

عشنا‭ ‬فصول‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بكل‭ ‬مآسيها،‭ ‬وعشنا‭ ‬حملة‭ ‬رهيبة‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬والعرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬تصم‭ ‬ديننا‭ ‬وتصمنا‭ ‬جميعا‭ ‬بالإرهاب‭.‬

اليوم‭ ‬بسيطرة‭ ‬طالبان‭ ‬الإرهابية‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭ ‬وانسحاب‭ ‬أمريكا،‭ ‬نشهد‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬العجيب‭.. ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬تنسحب‭ ‬وترحل،‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬باق‭ ‬كما‭ ‬هو‭.‬

كل‭ ‬جماعات‭ ‬وقوى‭ ‬الإرهاب‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬أمريكا‭ ‬إنها‭ ‬تحاربها‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬السنين‭ ‬الطويلة‭ ‬باقية‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬بل‭ ‬تزداد‭ ‬قوة‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬ظهرت‭ ‬جماعات‭ ‬إرهابية‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬حين‭ ‬بدأوا‭ ‬شن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭.‬

ولنتأمل‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

أمريكا‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الممتدة‭ ‬بأفغانستان‭. ‬قالت‭ ‬وقتها‭ ‬ان‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬ممثلا‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬بزعامة‭ ‬اسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬وعلى‭ ‬طالبان‭ ‬التي‭ ‬احتضنت‭ ‬التنظيم‭. ‬ولاحقا‭ ‬أعلنت‭ ‬انها‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬مهمتها‭.‬

اليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬إتمام‭ ‬المهمة،‭ ‬تعود‭ ‬طالبان،‭ ‬ليس‭ ‬كقوة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬موجودة‭ ‬وقوية‭ ‬وحسب،‭ ‬وانما‭ ‬تعود‭ ‬لتحكم‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وبالطبع‭ ‬معها‭ ‬القاعدة‭ ‬موجودة‭ ‬وقوية‭.‬

كأن‭ ‬أمريكا‭ ‬قضت‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والقضاء‭ ‬عليه،‭ ‬وانما‭  ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تمكينه‭ ‬ومن‭ ‬اجل‭ ‬ترقية‭ ‬طالبان‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬مصنفة‭ ‬إرهابية‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬الحاكمة‭ ‬لأفغانستان‭.‬

وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬أشعلت‭ ‬أمريكا‭ ‬المنطقة‭ ‬تحت‭ ‬لافتات‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابي‭. ‬ثم‭ ‬أعلنت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬التنظيم‭ ‬وإنهاء‭ ‬خطره‭.‬

لكن‭ ‬داعش‭ ‬لم‭ ‬ينته،‭ ‬وعاد‭ ‬بقوة‭ ‬ليضرب‭ ‬أمريكا‭ ‬والأفغان‭ ‬ضربة‭ ‬موجعة‭ ‬بهجوم‭ ‬مطار‭ ‬كابول‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬فيه‭ ‬13‭ ‬أمريكيا‭ ‬وعشرات‭ ‬الأفغان‭ ‬الأبرياء‭.‬

المؤرخون‭ ‬والمحللون‭ ‬سيظلون‭ ‬يتساءلون‭ ‬مستقبلا‭ ‬حين‭ ‬يتوقفون‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭: ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬ثم‭  ‬انتهت‭ ‬هذه‭ ‬النهاية؟

رغم‭ ‬كل‭ ‬ضجيج‭ ‬الدعاية‭ ‬الأمريكية‭ ‬حول‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬هناك‭ ‬حقيقتان‭ ‬تاريخيتان‭ ‬ثابتتان‭:‬

الأولى‭: ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬هي‭ ‬اكبر‭ ‬دولة‭ ‬راعية‭ ‬للإرهاب‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬لا‭ ‬نتحدث‭ ‬هنا‭  ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬الإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬أمريكا‭ ‬مباشرة‭ ‬ضد‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬العالم،‭ ‬وانما‭ ‬عن‭ ‬رعايتها‭ ‬المباشرة‭ ‬للقوى‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية‭.‬

أصبح‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التكرار‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وبالأخص‭ ‬القاعدة‭ ‬وطالبان‭ ‬وغيرهما‭ ‬كانت‭ ‬نشأتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬جندتها‭ ‬ومولتها‭ ‬وسلحتها‭ ‬وأطلقت‭ ‬عليها‭ ‬جماعات‭ ‬المجاهدين‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬محاربة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭.‬

وحتى‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش،‭ ‬هناك‭ ‬شبهات‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ ‬حول‭ ‬علاقة‭ ‬أمريكا‭ ‬به‭ ‬وبقياداته‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬ان‭ ‬أمريكا‭ ‬هي‭ ‬اكبر‭ ‬مفرخة‭ ‬للجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬حتى‭ ‬تنظيم‭ ‬خراسان‭ ‬الإرهابي‭ ‬الذي‭ ‬نفذ‭ ‬هجوم‭ ‬مطار‭ ‬كابول‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬التنظيمات‭ ‬التي‭ ‬تفرعت‭ ‬عن‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬التي‭ ‬رعتها‭ ‬أمريكا‭.‬

والثانية‭: ‬ان‭ ‬أمريكا‭ ‬استخدمت‭ ‬كل‭ ‬جماعات‭ ‬الإرهاب‭ ‬هذه‭ ‬بطرق‭ ‬ووسائل‭ ‬مختلفة‭ ‬أداة‭ ‬لخدمة‭ ‬إستراتيجيتها‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى‭.‬

واغلب‭ ‬الظن‭ ‬ان‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬وتسليمها‭ ‬لطالبان‭ ‬هو‭ ‬فصل‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬لخدمة‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى