رأي في الحدث

السيـد زهــره : عذر أقبح من ذنب

في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصحفي‭ ‬الأخير‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬البنتاجون‮»‬‭  ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬سؤال‭ ‬الى‭ ‬احد‭ ‬المتحدثين‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬حول‭ ‬سقوط‭ ‬الحكومة‭ ‬الأفغانية‭  ‬عقب‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬من‭ ‬خروج‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فأجاب‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يتصور‭ ‬السرعة‭ ‬القياسية‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬بها‭ ‬الحكومة‭ ‬الأفغانية‮»‬‭.‬

بالطبع‭ ‬يقول‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التبرير‭ ‬وتقديم‭ ‬عذر‭ ‬عن‭ ‬الكارثة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بأفغانستان‭ ‬والشعب‭ ‬الأفغاني‭ ‬بعد‭ ‬سيطرة‭ ‬طالبان‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬بمجرد‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭.‬

هو‭ ‬عذر‭ ‬أقبح‭ ‬من‭ ‬ذنب‭ ‬كما‭ ‬يقال‭.‬

هذا‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬المفاجأة‭ ‬وعدم‭ ‬توقع‭ ‬انهيار‭ ‬الحكومة‭ ‬الأفغانية‭ ‬المذهل‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬السريع‭  ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬قبوله‭ ‬من‭ ‬متابع‭ ‬عادي‭ ‬للتطورات‭ ‬والأحداث،‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬محلل‭ ‬سياسي‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ابدا‭ ‬قبوله‭ ‬حين‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬متحدثين‭ ‬باسم‭ ‬اكبر‭ ‬قوة‭ ‬عظمى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬غزت‭ ‬واحتلت‭ ‬افغانستان‭ ‬وبقي‭ ‬احتلالها‭ ‬لمدة‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬كاملة‭. ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قبول‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعرف‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تتوقع‭.‬

‭  ‬ومع‭ ‬هذا،‭ ‬متحدث‭ ‬البنتاجون‭ ‬على‭ ‬حق‭. ‬

هو‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬لأن‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬اعتداءاتها‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬وغزوها‭ ‬واحتلالها،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬الشعارات‭ ‬السخيفة‭ ‬المستفزة‭ ‬التي‭ ‬ترفعها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬و«الحرية‮»‬‭ ‬و‮«‬بناء‭ ‬الدولة‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬تهتم‭ ‬يوما‭ ‬بمراعاة‭ ‬خصوصية‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬وأي‭ ‬شعب‭ ‬ولم‭ ‬تكترث‭ ‬يوما‭ ‬بهمومه‭ ‬ومطالبه‭. ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يعنيها‭ ‬كثيرا‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬توقعاتها‭ ‬رشيدة‭ ‬او‭ ‬مدروسة‭.‬

أمريكا‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬ولا‭ ‬تكترث‭ ‬لأنها‭ ‬حين‭ ‬تغزو‭ ‬بلدا‭ ‬وتحتله‭ ‬او‭ ‬تتدخل‭ ‬بشكل‭ ‬سافر‭ ‬في‭ ‬شئونه‭ ‬فإن‭ ‬هدفها‭ ‬الأساسي‭ ‬يكون‭ ‬عادة‭ ‬الخراب‭ ‬والدمار‭ ‬وليس‭ ‬البناء‭ ‬او‭ ‬الإصلاح‭ ‬او‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬إيجابي‭ ‬للشعب‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مستوى‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬مجال‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬رأيا‭ ‬او‭ ‬تقييما‭ ‬شخصيا‭ ‬وانما‭ ‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬التاريخ‭ ‬وما‭ ‬أكدته‭ ‬تجارب‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭. ‬وافغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬أكبر‭ ‬مثال‭ ‬يجسد‭ ‬هذا‭.‬

في‭ ‬العراق،‭ ‬قبل‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭  ‬شنت‭ ‬أمريكا‭ ‬حملة‭ ‬دعائية‭ ‬سياسية‭ ‬ضخمة‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والتقدم‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬وبلغ‭ ‬الأمر‭ ‬بالمسئولين‭ ‬وحتى‭ ‬بعض‭ ‬الأكاديميين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬العراقيين‭ ‬سوف‭ ‬يخرجون‭ ‬لاستقبال‭ ‬المحتلين‭ ‬بالورود‭ ‬والأحضان‭.‬

ما‭ ‬ان‭ ‬وطأت‭ ‬اقدام‭ ‬الأمريكيين‭ ‬ارض‭ ‬العراق‭ ‬حتى‭ ‬شرعوا‭ ‬فورا‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭.. ‬دمروا‭ ‬الجيش‭ ‬وكل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬واطلقوا‭ ‬غول‭ ‬الطائفية،‭ ‬وفي‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬العراق‭.‬

لاحقا‭ ‬قال‭ ‬الأمريكيون‭ ‬انهم‭ ‬أخطأوا‭ ‬في‭ ‬تقديراتهم‭ ‬وحساباتهم‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬يتوقعون‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭.‬

لكنهم‭ ‬يكذبون‭. ‬فعلوا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بالعراق‭ ‬والعراقيين‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬وسبق‭ ‬تخطيط‭. ‬خططوا‭ ‬لتدمير‭ ‬العراق‭ ‬واغراق‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬والصراعات‭ ‬الطائفية‭.‬

نفس‭ ‬الشيء‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭.‬

من‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بالعقول‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬أمريكا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعرف‭ ‬حقيقة‭ ‬الحكومة‭ ‬الأفغانية‭ ‬العميلة‭ ‬التي‭ ‬نصبتها‭ ‬ولا‭ ‬حقيقة‭ ‬جيشها،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تتصور‭ ‬انهيارها‭.‬

من‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بالعقول‭ ‬ان‭ ‬تقول‭ ‬أمريكا‭ ‬انها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتوقع‭ ‬سيطرة‭ ‬طالبان‭ ‬على‭ ‬الحكم‭. ‬هي‭ ‬بنفسها‭ ‬خططت‭ ‬لتسليم‭ ‬حكم‭ ‬أفغانستان‭ ‬لطالبان‭. ‬لاحقا‭ ‬سوف‭ ‬تتكشف‭ ‬الحقائق‭ ‬وسيعرف‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬تخفيه‭ ‬أمريكا‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬مخطط‭ ‬تسليم‭ ‬أفغانستان‭ ‬لطالبان‭.‬

اليوم‭ ‬هم‭ ‬يرحلون‭ ‬عن‭ ‬افغانستان‭ ‬ولا‭ ‬يعنيهم‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬اطلاقا‭ ‬ماذا‭ ‬ينتظر‭ ‬الأفغان‭ ‬او‭ ‬ما‭ ‬يحل‭ ‬بهم‭.. ‬لا‭ ‬يعنيهم‭ ‬هل‭ ‬تغرق‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أهلية؟‭.. ‬هل‭ ‬تعود‭ ‬طالبان‭ ‬بالشعب‭ ‬الى‭ ‬عهد‭ ‬الظلام‭ ‬الاجتماعي؟‭.. ‬وهكذا‭.‬

الحقيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬ان‭ ‬أمريكا‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬امبريالية‭ ‬عرفها‭ ‬العالم‭ ‬غطرسة‭ ‬وهمجية‭ ‬واستهانة‭ ‬بحياة‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭.‬

واليوم‭ ‬يتحدثون‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬عن‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬ومن‭ ‬المسئول‭ ‬عنها‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭  ‬يجب‭ ‬تعلمها؟‭.. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬جدل‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭. ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬الجدل‭ ‬الذي‭ ‬دار‭ ‬بعد‭ ‬خراب‭ ‬العراق‭.‬

ستظل‭ ‬أمريكا‭ ‬هي‭ ‬نفس‭ ‬القوة‭ ‬الامبريالية‭ ‬الهمجية‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى