رأي في الحدث

عبدالله الأيوبي : العلاقات الخليجية الأمريكية بعد أفغانستان

من‭ ‬الطبيعي‭ ‬والمنطقي‭ ‬بعد‭ ‬التطورات‭ ‬الدراماتيكية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬الأمريكي‭ ‬المذل‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬حلفاء‭ ‬أمريكا‭ ‬وأصدقاؤها‭ ‬بعين‭ ‬الريبة‭ ‬والشك‭ ‬في‭ ‬مصداقية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬حلفائها‭ ‬وأصدقائها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬حيث‭ ‬تحتفظ‭ ‬واشنطن‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الحلفاء‭ ‬والأصدقاء‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬المفاجئ‮»‬‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬هدية‭ ‬ثمينة‭ ‬تقدمها‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬الرجعية‭ ‬وباقي‭ ‬حلفاء‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬حليفها‭ ‬الرئيسي‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬القاعدة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬‮«‬ضحت‮»‬‭ ‬الحركة‭ ‬بحكمها‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ (‬1996‭ ‬حتى‭ ‬2001‭) ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رفضت‭ ‬تسليم‭ ‬زعيم‭ ‬‮«‬القاعدة‮»‬‭ ‬الراحل‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬‮«‬القاعدة‮»‬‭ ‬مسؤوليته‭ ‬عن‭ ‬هجمات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬الإرهابية‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

ما‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬مسؤول‭ ‬خليجي‭ ‬رفض‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬اسمه،‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬يساور‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬شكوك‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬مصداقية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتزامها‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بإمكان‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬‮«‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مظلة‭ ‬أمنية‭ ‬أمريكية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬العشرين‭ ‬القادمة‮»‬،‭ ‬بحسب‭ ‬تصريح‭ ‬المسؤول‭ ‬الخليجي‭ ‬سالف‭ ‬الذكر،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬يبررها،‭ ‬فالانسحاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الفوضوي‭ ‬وغير‭ ‬المنظم‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬له‭ ‬انعكاسات‭ ‬سلبية‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تمثله‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬خطير‭ ‬بحكم‭ ‬ما‭ ‬يربطها‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وغيرها‭.‬

ما‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬المسؤول‭ ‬الخليجي‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الوثوق‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬من‭ ‬نهجها‭ ‬كحركة‭ ‬تحمل‭ ‬أفكارا‭ ‬متطرفة،‭ ‬هو‭ ‬رأي‭ ‬يجمع‭ ‬عليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬للشأن‭ ‬الأفغاني‭ ‬ولطبيعة‭ ‬الحركات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬تعتبره‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬والحركات‭ ‬المتطرفة‭ ‬الحليفة‭ ‬والمقربة‭ ‬منها،‭ ‬يعتبرونه‭ ‬نصرا‭ ‬للنهج‭ ‬الذي‭ ‬يسلكونه‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬يحملونها‭ ‬ويروجون‭ ‬لها،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬تهديد‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالضبط‭ ‬بعد‭ ‬صعود‭ ‬نجوم‭ ‬‮«‬المجاهدين‮»‬‭ ‬الأفغان‭ ‬فترة‭ ‬الصراع‭ ‬ضد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬القوية‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬والتراجع‭ ‬الأمريكي‭ ‬المثير‭ ‬للريبة‭ ‬والشك‭ ‬عن‭ ‬التصدي‭ ‬للجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬المعلن‭.‬

دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬جميعها‭ ‬تحتفظ‭ ‬بعلاقات‭ ‬تاريخية‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأخيرة‭ ‬تحتفظ‭ ‬بوجود‭ ‬عسكري‭ ‬مهم‭ ‬وكبير‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تقريبا،‭ ‬وجميع‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الديمقراطية‭ ‬منها‭ ‬والجمهورية،‭ ‬تؤكد‭ ‬استمرار‭ ‬التزامها‭ ‬بأمن‭ ‬الخليج‭ ‬واستعدادها‭ ‬للتصدي‭ ‬لأي‭ ‬تهديد‭ ‬يواجهه‭ ‬أصدقاؤها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تأكيد‭ ‬‮«‬مصداقية‮»‬‭ ‬موقفها‭ ‬يستشهد‭ ‬الساسة‭ ‬الأمريكان‭ ‬بدورهم‭ ‬الحيوي‭ ‬والرئيسي‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تحرير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬العراقي‭ ‬عام‭ ‬1991‭. ‬لكن‭ ‬واشنطن،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬هي‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لتهديد‭ ‬خطير‭ ‬جراء‭ ‬الغزو‭ ‬العراقي‭ ‬واحتلاله‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭.‬

تصريح‭ ‬المسؤول‭ ‬الخليجي‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يساور‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬شكوك‭ ‬حول‭ ‬مصداقية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬حلفائها‭ ‬وأصدقائها‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬لفك‭ ‬علاقات‭ ‬التحالف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬لكن‭ ‬الهزة‭ ‬الأفغانية‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬عودة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬بنشوة‭ ‬الانتصار،‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬جدي‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬بسبب‭ ‬الفشل‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬مراجعة‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية‭ ‬المختلفة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬والتحولات‭ ‬الدولية‭ ‬وبروز‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬واحتلالها‭ ‬مواقع‭ ‬ريادية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬وعودة‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬دولي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭.‬

بعد‭ ‬الهزة‭ ‬الأفغانية‭ ‬والانتقادات‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬الحلفاء‭ ‬والأصدقاء‭ ‬إلى‭ ‬السلوك‭ ‬الأمريكي‭ ‬للطريقة‭ ‬التي‭ ‬اتبعتها‭ ‬واشنطن‭ ‬لإنهاء‭ ‬مهمتها‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬الهدف‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬والخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تكبدتها‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الشعب‭ ‬الأفغاني،‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬وما‭ ‬سيتكبده‭ ‬أيضا‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬الخروج‮»‬‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأطلسي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬انعكاس‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ليس‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬فهذا‭ ‬ليس‭ ‬مطلبا‭ ‬عقلانيا‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقه‭ ‬بجرة‭ ‬قلم،‭ ‬وإنما‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬وضع‭ ‬البيض‭ ‬الخليجي‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬السلة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لأن‭ ‬الخسائر‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬ستكون‭ ‬ثقيلة‭ ‬جدا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬رأت‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬حمل‭ ‬هذه‭ ‬السلة‭ ‬ليس‭ ‬مجديا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاستراتيجية‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى