رأي في الحدث

أحمد الجارالله: هيبة الدولة أم حكومات “ترزز”؟

 سكانها يصل إلى المليار، وأحزابها عددها بالمئات، ولكل منها توجهه، فالكويت، أكان بالمساحة هي أصغر من مدينة في الدول الكبيرة، وعدد سكانها لا يتجاوز المليون ونصف المليون نسمة في أحسن الأحوال، هذا إذا ضممنا إليهم غير محددي الجنسية (البدون)، و”كلنا عيال قريّة وكلن يعرف خيّه”.
من هنا فإن ما سمي حواراً وطنياً “يخب” علينا لأن”الثوب الأطول منك يعتك”، لذا فليتق المستشارون الله الذين أشاروا بتلك البدعة بهذا البلد، ويتنحوا جانباً، بل ليقص سمو رئيس مجلس الوزراء الحق من نفسه ويعترف أنه سار في الطريق الخطأ لمعالجة المشكلات التي تواجهها البلاد، ولا يرمي ذلك على ديمقراطية لم نر منها طوال ستة عقود غير الدوران في حلقة التخلف.
أربعة أعضاء من الحكومة يتحاورون مع أربعة نواب على عودة أربعة أو سبعة أنفار من الهاربين الى الخارج، ضاربين بالقانون والأحكام القضائية عرض الحائط، وهو ما أطلقوا عليه “حواراً وطنياً”، فيما تناسى هؤلاء الأزمة المالية التي تواجهها البلاد بسبب ألاعيب النواب البهلوانية، ومنعهم أي تشريع، كما رموا الدستور الذي حدد الصلاحيات والمسؤوليات بدقة متناهية جانباً، وذهبوا إلى ممارسة مغامرة مراهقة غير محسوبة النتائج.
إلى ماذا سينتهي هذا “الحوار”، أليس إلى رضوخ الحكومة لمطالب النواب، وتعديل النظام الانتخابي بعد العفو، رغم ارتكاب المطلوب العفو عنهم جريمة ضد أمن الدولة، وهل سيطال الحل بعض الإرهابيين الذين يقبعون في السجن حالياً، وهل ستقبل بقية الكتل النيابية بهذا الاتفاق؟
يا سادة هذه ليست ديمقراطية، ولا تمت إليها بصلة، بل هي سعي إلى طمس ما تبقى من هيبة الدولة، وإسقاط آخر معاقل الحزم فيها، لأن التعدي على القضاء عبر نزع مخالبه بمنع تنفيذ أحكامه، يعني ضرب أساس العدالة في هذه الدولة، بل إخماد شعلة الأمل التي لا تزال تضيء طريق الشباب المؤمن بوطنه والساعي إلى الإصلاح من خلال الجهود الذاتية لوقف الانحدار الذي تسببت به جماعات سياسية، قبلية وطائفية، وبتواطؤ مع حكومات لم تر من السلطة إلا “الترزز” والوجاهة، والاستحواذ على الأموال.
في هذه المناسبة أذكر أن في العام 1961 قال المغفور له، الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، لأحد رجالات الكويت: “نحن بصدد بناء دولة ديمقراطية”، فكان جواب الرجل: “إن الشعب الكويتي متحاب ومتآلف، وعلاقته جيدة جداً بأسرة الحكم، لذا أكملوا عملية تثمين البيوت فهي خير طريق لتوزيع الثروة، لأنها ستعود على المواطنين بالفائدة، وستحرك الاقتصاد الوطني، وتمهلوا بمسألة الديمقراطية”، وبالفعل بدأت أمراض الديمقراطية المشوهة التي لا تنسجم مع الثقافة الاجتماعية تظهر منذ البداية حتى وصلنا اليوم إلى وضع لا أحد في الخليج والعالم العربي يرغبه لنا.
كل الدول المجاورة بدأت بعدنا بمسيرة التقدم والتطور، وكانت مستندة الى رؤية رجل واحد هو القائد الذي استعان بالمخلصين الأوفياء من أبناء بلده لمعاونته على تحمل هذه المشقة الكبيرة، ومن دون محاصصة قبلية وطائفية وعائلية، وها هي اليوم سبقتنا بعشرات السنين الضوئية، كالإمارات التي وصلت إلى الفضاء، بينما نحن لا نزال نبحث عن وسيلة لإرضاء هذا المحكوم الهارب، أو ذاك مختلس مئات الملايين، فيما حكومتنا تسعى الى تأمين رواتب الموظفين كل شهر بشهره.
في المقابل لنفترض أن الصفقة نجحت بعودة الهاربين، فماذا سيستفيد المواطن والبلد من ذلك، ألن تعود الأمور الى ما كانت عليه قبل نحو تسع سنوات، وهل سيكف هؤلاء عن شراء الأصوات عبر العلاج في الخارج الذي أعطي لأحدهم 1100 منحة علاج في إحدى السنوات تمهيداً لإعادة انتخابه؟
هذا الحوار البدعة ترفضه الغالبية الكويتية لأنه سيكون على حسابها، فيما الطريق الأقصر لحل كل هذه المشكلات هو حزم ولي الأمر الذي هو أبو الدستور والسلطات، وله الأمر وعلى الكويتيين السمع والطاعة، فيما على المستشارين الذين اخترعوا ذلك أن يذهبوا بإجازة طويلة، بل الأفضل لهم أن يتقاعدوا لأنهم أثبتوا أنهم يعالجون المرض العضال بمسكنات منتهية الصلاحية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى