رأي في الحدث

جعفـر عبـاس : فرضوها علينا ومعهم الحق

هناك‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭ ‬فرضها‭ ‬علينا‭ ‬الخواجات‭ (‬الغربيون‭) ‬من‭ ‬بينها‭ ‬توقيت‭ ‬غرينتش،‭ ‬وحدث‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬الإنجليز‭ ‬سادة‭ ‬البحار‭ ‬والبراري،‭ ‬ويحكمون‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القارات،‭ ‬وكانوا‭ ‬أيضا‭ ‬روادا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاكتشافات‭ ‬والاختراعات،‭ ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬تقرر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نقطة‭ ‬التقاء‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬عند‭ ‬خط‭ ‬طول‭ ‬صفر‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬بقرية‭ ‬غرينتش‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وأصبح‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا‭ ‬يخضع‭ ‬لموقعها‭ ‬من‭ ‬خط‭ ‬طول‭ ‬صفر‭ ‬المرجعي،‭ ‬وكان‭ ‬نصيبنا‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬خط‭ ‬عرض‭ ‬صفر‭ ‬المعروف‭ ‬بخط‭ ‬الاستواء،‭ ‬وبحكم‭ ‬أن‭ ‬خط‭ ‬طول‭ ‬صفر‭ ‬صار‭ ‬خواجاتيا،‭ ‬صارت‭ ‬بلاد‭ ‬الخواجات‭ ‬مركز‭ ‬الكون،‭ ‬فصار‭ ‬تحديد‭ ‬مواقع‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬يخضع‭ ‬لما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬شرق‭ ‬أو‭ ‬غرب‭ ‬غرينتش،‭ ‬وتبرئة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬من‭ ‬المشرقية،‭ ‬جعلت‭ ‬الخواجات‭ ‬يسمون‭ ‬البلدان‭ ‬الواقعة‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬الى‭ ‬تخوم‭ ‬باكستان‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وما‭ ‬شرقها‭ ‬بالشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬وأدرك‭ ‬المترجمون‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬ترجمة‭ ‬‮«‬نِير‭ ‬إيست‮»‬‭ ‬الى‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‭ (‬وهي‭ ‬المقابل‭ ‬الموضوعي‭ ‬للشرق‭ ‬الأقصى‭/ ‬فار‭ ‬إيست‭)‬،‭ ‬يعود‭ ‬بالشبهات‭ ‬الى‭ ‬المنطقة،‭ ‬لأن‭ ‬الأدنى‭ ‬أيضا‭ ‬نقيض‭ ‬الأعلى،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى،‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬أقل‭ ‬مرتبة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الآخر

ويتجلى‭ ‬إحساس‭ ‬الانسان‭ ‬الخواجة‭/ ‬الغربي‭ ‬بأنه‭ ‬أيضا‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬موقع‭ ‬منطقته‭ ‬‮«‬مركزي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬اعتبار‭ ‬نفسه‭ ‬أبيض‭ ‬البشرة،‭ ‬وتأسيسا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬البياض‭ ‬المفترض،‭ ‬يتم‭ ‬تقسيم‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬الى‭ ‬سمراء‭ ‬وسوداء‭ ‬وصفراء،‭ ‬بل‭ ‬وبحكم‭ ‬أنهم‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬لون‭ ‬بشرتهم‭ ‬هو‭ ‬اللون‭ ‬المرجعي،‭ ‬فإنهم‭ ‬يسمون‭ ‬جميع‭ ‬ذوي‭ ‬البشرات‭ ‬الأخرى‭ ‬بالملوّنين،‭ ‬ويقال‭ ‬عنهم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬بالانجليزية‭ ‬people‭ ‬of‭ ‬colour‭ ‬وترجمتها‭ ‬الحرفية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الأشخاص‭ ‬ذوي‭ ‬الألوان‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬اللون‭ ‬الأبيض‭ ‬بداهة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الألوان،‭ ‬باعتبار‭ ‬أنه‭ ‬شيء‭ ‬‮«‬غير‭ ‬شَكل‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬الأصل‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬ينعم‭  ‬الله‭ ‬عليه‭  ‬به‭ ‬‮«‬ملوَّناً‮»‬‭.‬

وظل‭ ‬الأوربيون‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬عديدة‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أصل‭ ‬الأنواع‭ ‬والأشياء،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أن‭ ‬ديارهم‭ ‬هي‭ ‬أصل‭ ‬الكون،‭ ‬ولهذا‭ ‬تحدثوا‭ ‬وما‭ ‬زالوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬اكتشاف‭ ‬أفريقيا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬وعندما‭ ‬تقول‭ ‬إنك‭ ‬اكتشفت‭ ‬قارة‭ ‬أكبر‭ ‬أو‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬بلادك،‭ ‬فإنك‭ ‬تعني‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ضائعة‭/ ‬مفقودة،‭ ‬وإنك‭ ‬من‭ ‬عثر‭ ‬عليها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬مجيئك‭ ‬نسيا‭ ‬منسيا،‭ ‬وقياسا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬بحيرة‭ ‬ينبع‭ ‬منها‭ ‬النيل،‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬وجدها‭ ‬جون‭ ‬هانين‭ ‬سبيك،‭ ‬وأطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬الملكة‭ ‬فيكتوريا،‭ ‬وما‭ ‬عليهم‭ ‬ولا‭ ‬علينا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬وأن‭ ‬النيل‭ ‬ظل‭ ‬ينبع‭ ‬منها‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬وانها‭ ‬ثاني‭ ‬اكبر‭ ‬بحيرة‭ ‬للمياه‭ ‬العذبة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وأكبر‭ ‬بحيرة‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬أفريقيا‭ ‬بحالها‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬يكتشفها‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬ببحيرة‭ ‬فيها؟

وكتبت‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬كريستوفر‭ ‬كولمبس‭ ‬دارى‭ ‬فشله‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬قصير‭ ‬الى‭ ‬الهند‭ ‬بالإبحار‭ ‬غربا‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي،‭ ‬بأن‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬اكتشف‭ ‬انها‭ ‬تسد‭ ‬الطريق‭ ‬الى‭ ‬الهند،‭ ‬اسم‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬ليكسب‭ ‬بذلك‭ ‬فضل‭ ‬اكتشاف‭ ‬سلالات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬‭]‬‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭ ‬سك‭ ‬الأمريكان‭ ‬اسما‭ ‬لائقا‭ ‬لمن‭ ‬كانوا‭ ‬يسمونهم‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر،‭ ‬بأن‭ ‬جعلوهم‭ ‬‮«‬المواطنين‭ ‬الأصليين‭/ ‬نيتيف‭ ‬أميركانز‮»‬،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬أعطوا‭ ‬السود‭ ‬ترقية‭ ‬من‭ ‬نيقرز،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أدنى‭ ‬درجة‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬الطبقات‭ ‬البشرية،‭ ‬وجعلوهم‭ ‬‮«‬امريكان‭ ‬أفارقة‮»‬‭ ‬‭[‬‭.‬

ولكن‭ ‬أليس‭ ‬مع‭ ‬الأوربيين‭ ‬بعض‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الزعم‭ ‬بأنهم‭ ‬من‭ ‬اكتشف‭ ‬وحدد‭ ‬خط‭ ‬طول‭ ‬غرينتش‭ ‬وخط‭ ‬عرض‭ ‬الاستواء،‭ ‬ووضع‭ ‬بعض‭ ‬القارات‭ ‬والبحيرات‭ ‬المكتشفة‭ ‬على‭ ‬الأطلس،‭ ‬وأن‭ ‬الأراضي‭ ‬المكتشفة‭ ‬كانت‭ ‬قبلها‭ ‬معزولة‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬العلوم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتطبيقية؟‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬لإنكار‭ ‬أن‭ ‬الغربيين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬جاسوا‭ ‬صحارينا‭ ‬وجبالنا‭ ‬ووضعوها‭ ‬على‭ ‬الخارطة،‭ ‬فكيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬عليهم‭ ‬تباهيهم‭ ‬بأنهم‭ ‬اكتشفوا‭ ‬ارضا‭ ‬او‭ ‬نهرا‭ ‬او‭ ‬جنسا‭ ‬بشريا‭ ‬كان‭ ‬خارج‭ ‬سياق‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والتاريخ‭ ‬المدونين؟‭ ‬ثم‭ ‬هل‭ ‬‮«‬جات‮»‬‭ ‬على‭ ‬تسمية‭ ‬منطقتنا‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وبلاش‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬وترسيم‭ ‬حدود‭ ‬جميع‭ ‬بلداننا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬أصول‭ ‬علوم‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والسياسة‭ ‬والحرب‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى