رأي في الحدث

السيــد زهــره : كل هذا الإجرام

قبل‭ ‬يومين،‭ ‬نشرت‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬رويترز‮»‬‭ ‬تقريرا‭ ‬عن‭ ‬تأثيرات‭ ‬قرار‭ ‬السعودية‭ ‬بوقف‭ ‬الواردات‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬اللبناني،‭ ‬وخصوصا‭ ‬الشركات‭ ‬الصناعية‭ ‬اللبنانية‭ ‬المختلفة‭.‬

التقرير‭ ‬ينقل‭ ‬عن‭ ‬أصحاب‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬صورة‭ ‬قاتمة‭ ‬لما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬حالهم‭ ‬بسبب‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والأزمة‭ ‬التي‭ ‬فجرتها‭ ‬تصريحات‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬قرداحي‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬والتي‭ ‬قادت‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭.‬

يذكر‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬للمنتجات‭ ‬الورقية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأدوات‭ ‬المكتبية‭ ‬توقف‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مصنعها‭ ‬تقريبا،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬تنتج‭ ‬كتبا‭ ‬وأدوات‭ ‬مكتبية‭ ‬بقيمة‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬للتصدير‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬وتوقفت‭ ‬هذه‭ ‬الصادرات‭ ‬طبعا‭.‬

ويذكر‭ ‬التقرير‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬خلطات‭ ‬التوابل‭ ‬والأغذية‭ ‬الجافة‭ ‬كان‭ ‬20‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬منتجاتها‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬700‭ ‬مطعم‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬انتهى‭ ‬الآن‭.‬

مدير‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬قال‭: ‬إن‭ ‬الشركات‭ ‬اللبنانية‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬الأزمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬قيمة‭ ‬الصادرات‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬من‭ ‬240‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ ‬600‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬الأزمة‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬المحصلة‭ ‬الآن‭ ‬صفرا‮»‬‭.‬

يذكر‭ ‬التقرير‭ ‬أنه‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬فإن‭ ‬عدة‭ ‬شركات‭ ‬لبنانية‭ ‬بدأت‭ ‬تغادر‭ ‬لبنان‭ ‬وتنقل‭ ‬مصانعها‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬منها‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬وتركيا‭ ‬وقبرص‭.‬

ما‭ ‬يقدمه‭ ‬التقرير‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الطاحنة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بسبب‭ ‬إجرام‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭.‬

لنلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬محنة‭ ‬البلاد‭ ‬ومعاناة‭ ‬الشعب‭ ‬الرهيبة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يسعوا‭ ‬لتخفيفها‭ ‬زادوا‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬بالمواقف‭ ‬غير‭ ‬المسؤولة‭ ‬تجاه‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭. ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة‭ ‬يتعاملون‭ ‬باستهتار‭ ‬شديد‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬والخاضعين‭ ‬لترهيبه‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يسعوا‭ ‬لاحتواء‭ ‬الأزمة‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬يدلون‭ ‬بمواقف‭ ‬وتصريحات‭ ‬يتعمدون‭ ‬فيها‭ ‬استفزاز‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬ويسدون‭ ‬أبواب‭ ‬الاحتواء‭.‬

هذا‭ ‬وضع‭ ‬شاذ‭ ‬غريب‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬والحكم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭. ‬الحادث‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬ترتكب‭ ‬جرائم‭ ‬بحق‭ ‬البلاد‭ ‬وبحق‭ ‬الشعب‭. ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬تبدو‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ -‬وعن‭ ‬عمد‭ ‬تام‭- ‬تشن‭ ‬حربا‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والشعب‭ ‬ولتدمير‭ ‬روابط‭ ‬لبنان‭ ‬مع‭ ‬أشقائها‭ ‬العرب‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الحادث‭ ‬بالفعل‭.‬

لهذا،‭ ‬فإن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬‮«‬رويترز‮»‬‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬مدير‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬اللبنانية‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬‮«‬كأن‭ ‬هناك‭ ‬خطة‭ ‬ومنهجا‭ ‬لضرب‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والصناعية‭ ‬بلبنان،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬العلاقة‭ ‬والوصل‭ ‬بين‭ ‬لبنان‭ ‬والعالم‭ ‬وخصوصا‭ ‬الخليج‭ ‬والسعودية‮»‬‭.‬

نعم‭ ‬هناك‭ ‬مخطط‭ ‬لتدمير‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وإضعافه‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬حد‭ ‬وعزله‭ ‬عن‭ ‬محيطه‭ ‬العربي‭.‬

هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬هو‭ ‬مخطط‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬والموالون‭ ‬له‭ ‬ينفذونه‭ ‬لحساب‭ ‬إيران‭ ‬ومشروعها‭.‬

إيران‭ ‬وعملاؤها‭ ‬يريدون‭ ‬لبنان‭ ‬مدمرا‭ ‬وضعيفا‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬له‭ ‬قائمة،‭ ‬ويريدونه‭ ‬معزولا‭ ‬دوما‭ ‬عن‭ ‬أشقائه‭ ‬العرب‭. ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬العراق‭. ‬إيران‭ ‬ببساطة،‭ ‬وكما‭ ‬كتبنا‭ ‬مرارا‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬تعرف‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬سطوتها‭ ‬وهيمنتها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬ضعيف‭ ‬ممزق‭ ‬ومعزول‭ ‬عن‭ ‬أشقائه‭ ‬العرب‭.‬

لهذا،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬لاحت‭ ‬أي‭ ‬إمكانية‭ ‬أو‭ ‬بريق‭ ‬أمل‭ ‬كي‭ ‬يتعافى‭ ‬لبنان‭ ‬اقتصاديا‭ ‬أو‭ ‬سياسيا،‭ ‬يتم‭ ‬تدمير‭ ‬هذا‭ ‬الأمل‭ ‬على‭ ‬الفور‭. ‬وكلما‭ ‬لاحت‭ ‬أي‭ ‬إمكانية‭ ‬لعودة‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬أشقائه‭ ‬وللدعم‭ ‬العربي‭ ‬له،‭ ‬يتم‭ ‬تدمير‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانية‭ ‬فورا‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬بالضبط‭ ‬تندرج‭ ‬الحملات‭ ‬على‭ ‬السعودية‭ ‬والدول‭ ‬الخليجية‭ ‬وتعمد‭ ‬إلى‭ ‬تفجير‭ ‬الأزمات‭.‬

لكل‭ ‬هذا،‭ ‬أزمة‭ ‬لبنان،‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب،‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬القطيعة‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬خليجية‭ ‬ولبنان‭ ‬وليست‭ ‬بسبب‭ ‬قرار‭ ‬سعودي‭ ‬بوقف‭ ‬الواردات‭. ‬أزمة‭ ‬لبنان‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬القوى‭ ‬اللبنانية‭ ‬التي‭ ‬تنفذ‭ ‬هذا‭ ‬المخطط‭ ‬لحساب‭ ‬إيران،‭ ‬وفي‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬اللبنانية‭ ‬التي‭ ‬تخضع‭ ‬للترهيب‭ ‬والابتزاز‭ ‬ولا‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وتحديه‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى