رأي في الحدث

عبدالمنعم ابراهيم :صفقات تسلح فرنسية-خليجية لتعويض المماطلة الأمريكية

جولة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬خليجية‭ ‬هي‭ ‬الإمارات‭ ‬وقطر‭ ‬والسعودية‭ ‬كان‭ ‬عنوانها‭ ‬المعلن‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬هو‭ ‬إطلاق‭ ‬مبادرة‭ ‬فرنسية‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأزمة‭ ‬العالقة‭ ‬بين‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والسعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬للزيارة‭ ‬مضمون‭ ‬آخر،‭ ‬هو‭ ‬عقد‭ ‬صفقات‭ ‬تسلح‭ ‬ضخمة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬مصالح‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬تريد‭ ‬تعويض‭ ‬ما‭ ‬خسرته‭ ‬مع‭ (‬أستراليا‭) ‬حين‭ ‬ألغت‭ ‬الأخيرة‭ ‬عقدا‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أبرمته‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬لشراء‭ ‬غواصات‭ ‬تقليدية،‭ ‬واستبدلت‭ ‬تلك‭ ‬الغواصات‭ ‬الفرنسية‭ ‬بغواصات‭ ‬أمريكية‭ ‬تعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬ودول‭ ‬خليجية‭ ‬أخرى‭ ‬تشعر‭ ‬بالاطمئنان‭ ‬والثقة‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬صفقاتها‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحدها،‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬غالبا‭ ‬مرهونة‭ ‬لتقلبات‭ ‬المزاج‭ ‬السياسي‭ ‬للرئيس‭ ‬الجالس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ (‬البيت‭ ‬الأبيض‭)‬،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ (‬أوباما‭) ‬أو‭ (‬ترامب‭) ‬أو‭ (‬بايدن‭)‬،‭ ‬ومزاج‭ ‬التحالفات‭ ‬السياسية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬أو‭ ‬في‭ (‬الكونجرس‭) ‬الأمريكي،‭ ‬وقد‭ ‬تعرضت‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الصفقات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتسلح‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الأمريكي‭ ‬لتجميد‭ ‬تنفيذها‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬والكويت‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬يدعون‭ ‬أنها‭ ‬استجابة‭ ‬لضغوط‭ ‬تتعلق‭ (‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭) ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والسعودية‭! ‬وهي‭ ‬ادعاءات‭ ‬باطلة‭ ‬وكيدية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهات‭ ‬معادية‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬ومنظمات‭ ‬حقوقية‭ (‬مسيّسة‭).‬

لذلك‭ ‬جاءت‭ ‬المصالح‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬الصفقات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ (‬ماكرون‭) ‬لدول‭ ‬المنطقة،‭ ‬فقد‭ ‬وقعت‭ ‬الإمارات‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي‭ ‬اتفاقية‭ ‬قياسية‭ ‬لشراء‭ ‬80‭ ‬طائرة‭ ‬مقاتلة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ (‬رافال‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬وقعت‭ ‬اتفاقية‭ ‬لشراء‭ ‬12‭ ‬طائرة‭ ‬مروحية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ (‬كاركال‭)‬،‭ ‬وتبلغ‭ ‬قيمة‭ ‬العقدين‭ ‬بحسب‭ ‬الرئاسة‭ ‬الفرنسية‭ ‬17‭ ‬مليار‭ ‬يورو،‭ ‬منها‭ (‬14‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭) ‬لاتفاقية‭ (‬رافال‭) ‬وحدها؛‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬الإمارات‭ ‬وفرنسا،‭ ‬حيث‭ ‬تحتفظ‭ ‬فرنسا‭ ‬بثلاث‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬وتأتي‭ ‬الامارات‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الخامسة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الزبائن‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬للصناعات‭ ‬الدفاعية‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬2011‭ ‬و2020‭ ‬بحسب‭ ‬المصادر‭ ‬الفرنسية‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أعلنت‭ ‬الشركة‭ ‬السعودية‭ ‬للصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬تدشين‭ ‬مشروع‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬شركتي‭ (‬فيجاك‭ ‬ايرو‭) ‬الفرنسية،‭ ‬و‭(‬دسر‭) ‬السعودية‭ ‬لبناء‭ ‬منشأة‭ ‬لإنتاج‭ ‬هياكل‭ ‬الطائرات‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬ان‭ ‬تصل‭ ‬إيرادات‭ ‬المشروع‭ ‬المشترك‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬ميلون‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030،‭ ‬وأن‭ ‬رأسمال‭ ‬الشركة‭ ‬ينقسم‭ ‬بواقع‭ ‬51‭ ‬بالمائة‭ ‬للجانب‭ ‬السعودي‭ ‬و49‭ ‬بالمائة‭ ‬للجانب‭ ‬الفرنسي‭. ‬كما‭ ‬ابرمت‭ ‬اتفاقية‭ ‬في‭ ‬جدة‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬والسعودية‭ ‬لبيع‭ ‬فرنسا‭ ‬26‭ ‬مروحية،‭ ‬عشرون‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬طراز‭ (‬إتش‭ ‬145‭)‬،‭ ‬و6‭ ‬من‭ ‬طراز‭ (‬إتش‭ ‬160‭) ‬لشركة‭ ‬الطائرات‭ ‬المروحية‭ ‬السعودية‭.. ‬كما‭ ‬وقعت‭ ‬شركة‭ (‬فيوليا‭) ‬الفرنسية‭ ‬الرائدة‭ ‬عالمياً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المياه‭ ‬والنفايات‭ ‬عقداً‭ ‬لإدارة‭ ‬خدمات‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬والصرف‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬و22‭ ‬مدينة‭ ‬سعودية‭ ‬أخرى،‭ ‬ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬العقد‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬سبعة‭ ‬أعوام‭ ‬عائدات‭ ‬بقيمة‭ ‬82‭.‬6‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭ ‬بحسب‭ ‬الشركة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وتوسيع‭ ‬روابط‭ ‬شركة‭ (‬فيوليا‭) ‬مع‭ ‬مجموعة‭ (‬أرامكو‭) ‬السعودية‭ ‬النفطية‭ ‬العملاقة‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬أوردته‭ (‬وكالات‭ ‬الأبناء‭) ‬خلال‭ ‬اليومين‭ ‬الماضين‭ ‬حول‭ ‬الصفقات‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬أبرمت‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ (‬ماكرون‭) ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الامارات‭ ‬والسعودية،‭ ‬والموضوع‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬كبيرة‭ ‬بحسابات‭ ‬مستقبلية‭ ‬تضعها‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار،‭ ‬منها‭ ‬عدم‭ ‬الاعتماد‭ ‬الكلي‭ ‬على‭ (‬أمريكا‭) ‬وحدها،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬التحليلات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوروبا‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬الانسحاب‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والعراق‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬نفذت‭ ‬انسحابها‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬أغسطس‭ ‬الماضي،‭ ‬وتتطلع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تسد‭ ‬الفراغ‭ ‬السياسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والعراق‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اعلان‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬المنطقة،‭ ‬لكن‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬لا‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬حصر‭ ‬خياراتهم‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬فقط‭ (‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا‭)‬،‭ ‬ولذلك‭ ‬فهم‭ ‬شرعوا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬صفقات‭ ‬تسلح‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬أيضا،‭ ‬وهناك‭ ‬اتجاه‭ ‬عربي‭ ‬آخذ‭ ‬في‭ ‬النمو‭ ‬مؤخراً،‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذات،‭ ‬وإنشاء‭ ‬صناعة‭ ‬تسليح‭ ‬من‭ ‬طائرات‭ ‬وصواريخ‭ ‬ودبابات‭ ‬ومدرعات‭ ‬وطائرات‭ ‬مسيرة‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية،‭ ‬وقد‭ ‬نجحت‭ ‬مصر‭ ‬بشكل‭ ‬متقدم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وتحذو‭ ‬حذوها‭ ‬حاليا‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬أيضا‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى