رأي في الحدث

السيــد زهـــره: انهيار في طهران وتوحش في بيروت وبغداد

النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬يعيش‭ ‬أسوأ‭ ‬أيامه‭.‬

حركة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬العارمة‭ ‬تهز‭ ‬أركان‭ ‬النظام‭. ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬القمع‭ ‬الوحشي‭ ‬الذي‭ ‬يمارسه‭ ‬النظام‭ ‬ضد‭ ‬المحتجين،‭ ‬والذي‭ ‬راح‭ ‬ضحيته‭ ‬مئات‭ ‬الإيرانيين‭ ‬الذين‭ ‬سقطوا‭ ‬قتلى،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تتصاعد‭ ‬مرحلة‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭.‬

أخطر‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬كسر‭ ‬جدار‭ ‬الصمت‭ ‬والخوف‭ ‬وأعرب‭ ‬علنا‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬للنظام‭ ‬برمته‭. ‬بعشرات‭ ‬الصور‭ ‬والأشكال‭ ‬في‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬يتابعها‭ ‬العالم‭ ‬يوميا،‭ ‬أظهر‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬برفض‭ ‬سياسات‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬المطالبة‭ ‬بإصلاحات‭ ‬معينة،‭ ‬وإنما‭ ‬يتعلق‭ ‬برفض‭ ‬النظام‭ ‬الديني‭ ‬برمته‭ ‬بكل‭ ‬أسسه‭ ‬وأركانه‭. ‬أصبحت‭ ‬المطالب‭ ‬برحيل‭ ‬النظام‭ ‬هي‭ ‬الشعار‭ ‬الأساسي‭ ‬المرفوع‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬الاحتجاجات‭.‬

لهذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬انهيار‭. ‬ليس‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬سينهار‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬قريب‭ ‬منظور،‭ ‬لكن‭ ‬معناه‭ ‬أنه‭ ‬دخل‭ ‬مرحلة‭ ‬الانهيار،‭ ‬وفقد‭ ‬شرعيته‭ ‬الشعبية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭.‬

المفارقة‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬غريبة‭ ‬لأول‭ ‬وهلة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬فإن‭ ‬القوى‭ ‬والمليشيات‭ ‬والجماعات‭ ‬العميلة‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬تتوحش‭ ‬وتحكم‭ ‬قبضتها‭ ‬الطائفية‭ ‬الإرهابية‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬وعلى‭ ‬رقاب‭ ‬العباد‭. ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬تزداد‭ ‬شراسة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وفي‭ ‬وضع‭ ‬مقدرات‭ ‬البلدين‭ ‬تحت‭ ‬رحمته‭ ‬وفي‭ ‬خدمته‭.‬

في‭ ‬لبنان،‭ ‬تعيش‭ ‬البلاد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الضياع‭ ‬والانهيار‭ ‬الشامل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭. ‬بلد‭ ‬بلا‭ ‬رئيس‭ ‬ولا‭ ‬حكومة،‭ ‬وأحوال‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬الحضيض‭. ‬الأفق‭ ‬يبدو‭ ‬مسدودا‭ ‬بلا‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

السبب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬والقوى‭ ‬الأخرى‭ ‬العميلة‭ ‬لإيران‭ ‬تفرض‭ ‬سطوتها‭ ‬الكاملة‭ ‬وتصر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬جديد‭ ‬وحكومة‭ ‬جديدة‭. ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬أعلن‭ ‬شروطا‭ ‬للرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رئيسا‭ ‬بالمقاييس‭ ‬والمعايير‭ ‬الإيرانية‭. ‬كأن‭ ‬الحزب‭ ‬يريد‭ ‬رئيسا‭ ‬إيرانيا‭ ‬للبنان‭. ‬هذا‭ ‬وإلا‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬رئيس‭ ‬أصلا،‭ ‬وستظل‭ ‬البلاد‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬والضياع‭.‬

القوى‭ ‬العميلة‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬تكرس‭ ‬كل‭ ‬جهودها‭ ‬حاليا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وإبقاء‭ ‬سطوته،‭ ‬ولا‭ ‬يعنيها‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬أي‭ ‬مصلحة‭ ‬للبنان‭ ‬والشعب‭ ‬اللبناني‭.‬

العراق‭ ‬يعيش‭ ‬وضعا‭ ‬شبيها‭.‬

القوى‭ ‬والمليشيات‭ ‬العميلة‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تحشد‭ ‬صفوفها‭ ‬وتعزز‭ ‬إحكام‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬وتستميت‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭.‬

في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬شنت‭ ‬إيران‭ ‬اعتداءات‭ ‬صريحة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية‭ ‬وتنتهك‭ ‬سيادته‭ ‬بشكل‭ ‬سافر‭ ‬مستفز‭. ‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬العراقيين‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬أي‭ ‬إدانة‭ ‬صريحة‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭. ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي‭ ‬عقد‭ ‬جلسة‭ ‬لمناقشة‭ ‬هذه‭ ‬الاعتداءات،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬عنه‭ ‬ولو‭ ‬حتى‭ ‬مجرد‭ ‬بيان‭ ‬ينتقد‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإيرانية‭ ‬ويدافع‭ ‬عن‭ ‬سيادة‭ ‬واستقلال‭ ‬العراق‭. ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬طبعا‭ ‬رضوخا‭ ‬للقوى‭ ‬العميلة‭.‬

إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬وصل‭ ‬الحال‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬القوى‭ ‬العميلة‭ ‬هو‭ ‬حماية‭ ‬إيران‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬وليس‭ ‬حماية‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬كرامته‭ ‬وسيادته‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬نرى،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬فيه‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬بأزمة‭ ‬عميقة‭ ‬تهدد‭ ‬وجوده،‭ ‬تقوم‭ ‬القوى‭ ‬العميلة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬بإحكام‭ ‬قبضتها‭ ‬وتحشد‭ ‬كل‭ ‬قواها‭ ‬للدفاع‭ ‬عنه‭ ‬وفرض‭ ‬سطوته‭ ‬على‭ ‬البلدين‭.‬

هذه‭ ‬مفارقة‭ ‬لأول‭ ‬وهلة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مفترضا،‭ ‬بحسب‭ ‬البعض،‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬أزمة‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬العميلة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

كيف‭ ‬نفسر‭ ‬هذه‭ ‬المفارقة،‭ ‬وكيف‭ ‬نقرأ‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟

هذا‭ ‬حديث‭ ‬آخر‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى